لقد عاش الصحابة والمسلمون الأول على منهج الحق عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وظل الأمر واحدا حتى بدأ ظهور
الفرق الضالة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخبر أن
أمته ستفترق كما افترقت الأمم قبلها؛ ففي الحديث الذي رواه الترمذي
وغيره عن عوف بن مالك الأشجعي: "افترقت اليهود
على إحدى وسبعين فرقة واحدة في الجنة وسبعين في النار، وافترقت
النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعين في النار وواحدة
في الجنة، والذي نفسي بيده لتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة
في الجنة واثنتان وسبعون في النار". قيل يا رسول الله من هم؟ قال: "الجماعة".
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستفترق إلى فرق شتى، وهذا
واضح منذ ظهرت الخوارج، وبدأت الفتن، ولم تنته حتى زماننا هذا بل كلما
مر الزمن ازداد الأمر فُرقَة واختلافا، وأنت اليوم ترى تعدد الأهواء واختلاف
المشارب وتنوع الدعوات والانتماءات واختلاف المناهج.
فبين علماني يدعو لفصل الدين عن الدولة والشريعة عن السياسة، فالدين
أمر خاص في قلوب أصحابه، ولا أثر له في واقع الناس، وإنما في المساجد ودور العبادة.
وبين منهج عقلاني يقدم العقل على النقل ويجعل العقل أصل التشريع
وليس الشرع؛ فما وافق العقل هو الصواب والحق، وما لم تقبله عقولهم فمردود أو متأول.
وبين منهج باطني يظهر الإسلام ويبطن الكفر البواح كما عند الإسماعيلية والروز ...
ومنهج صوفي يقدس الأولياء حتى يبلغ بهم مقام الربوبية والألوهية، ويطوف
بالمشاهد والقبور، ويسأل أهلها قضاء الحاجات وتفريج الكربات.
ومنهج تكفيري يكفر الخلق بالذنوب، ويكفر المجتمع إلا من كان من أتباعه.
ومنهج تبريري يريد أن يفصّل الإسلام على حسب أهواء العباد وليس العكس.
مناهج شتى، وأفكار لا نهاية لها، فأي منهج
يسلكه العبد من وسط هذه المناهج، وأي فكر يتبناه من بين هذه الأفكار؟!
النبي يصف سبيل النجاة
إن من فضل الله علينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك الناس
هملاً، ولم يترك الأمة تتخبط في عمىً، وإنما وصف لنا الطريق وبين لنا
المنهاج والسبيل المنجي. فالفرقة الناجية هي صاحبة المنهج الحق
وقد جلاّها بقوله: "هم الجماعة"، وفي رواية: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
فالمنهج الحق هو منهج الفرقة الناجية التي وصفها أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم
من يخذلهم حتى يأتي أمر الله"[رواه الترمذي].
هذه الطائفة هي الفرقة الناجية، وهي الجماعة، وهم أهل السنة
والجماعة، وهم أصحاب الحديث.
خلاصة منهج أهل السنة اتباع الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة رضوان الله عليهم.
والمقصود بسلف الأمة السابقون الأولون أصحاب القرون الخيرية، والأئمة
المتبعون المهديون ومن شُهد له بالفضل ممن بعدهم وعلى رأسهم قطعًا
أصحاب النبي رضوان الله عليهم أجمعين، أبر هذه الأمة قلوبًا وأعمقها
علمًا، وأقلها تكلفًا، ثم التابعون لهم بإحسان من الخلف الطيبين والعلماء الصالحين.